د. سامي محمود ابراهيم
ا. سالم خلف احمد
في مرايا الواقع السياسي وعينا مزيف ومحرف يبحر في الإشاعة ويتيه في لجة بحر الانا الغارق في هموم الدنيا.
لهذا ، علينا أن تزيح من ذهنيتنا الاحتجاج بما يفعله السلاطين والآخرون.
علينا أن نقرأ التاريخ قراءة واعية وان نتهم انفسنا ونفهمها واذا اتهمنا أنفسنا وقفنا على أحوالنا، فإن الله تعالى لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، وذلك هو الوعي بالواقع والحال والوجود..
هذا من جانب من جانب آخر نجد أن الوعي الحقيقي يتطلب التوازن بين الفرد وذاته، فمعظم الانتكاسات تأتي من عدم التصالح مع الذات، فينشأ الصراع، وللأسف الغالبية يركزون على ما لا يريدون، فتكبر الفجوة الداخلية التي تجعل المرء محدود الرؤية والتفاؤل والانسجام مع ذاته، وهذا يعني عدم التناغم مع عالمه الخارجي، وهنا يضع الفرد العتب على الظروف، مع أن الخلل ليس فيها، وإنما في داخله ، لذا من الضروري التصالح مع اعتقاداتنا وأفكارنا وطروحاتنا ورؤانا.. عندها سنكون وهكذا لن تبقى مشكلة .
وفي هذا الصدد :
يروى أن صيادا عاد من رحلة صيد وفيرة إلى المنزل، فجأة يتجه نحوه قارب . انزعج الصياد وصار يصرخ على صاحب المركب ان توقف .. لكن المحظور وقع فقد ارتطم القارب بالقارب ، ثم تبين ان لا احد كان يقود القارب الاخر، فقد كان فارغا. لذا شعر بمزيد من الاسى والحزن فلا أحد يمكنه تحمل المسؤولية .
حياتنا مليئة بالمراكب السابحة على غير هدى، ومعظمها فارغة.
من السهل التفكير في أن الآخر خاطئ أو سيء ، بدلا من تقاسم المسؤولية .. يمكن أن تشعر بالإحباط عدة مرات، لكنك لست فاشلا حتى تبدأ في إلقاء اللوم على شخص آخر والتوقف عن المحاولة.
كما ان لعبة اللوم تقتضي ايضا البحث عن كبش فداء لا يستطيع الدفاع عن نفسه .
وهكذا من السهل إلقاء اللوم على الأشخاص أو الجماعات الذين لا حول لهم ولا قوة . مجموعة مهمشة ، تعد هدفا سهلا عندما لا نستطيع التعامل مع شعور بالذن ، نرغب في أن نرمي به الى الآخرون من خلال إبراز المشاعر السيئة فيهم ، والتي قمنا بإلحاقها بهم قصدا حتى نتمكن من الظهور بشكل جيد.
نحن نعيش ثقافة اللوم والشكوى ، لأن الجميع يبحثون دائما عن أشياء يشتكون منها ، فنحن باستمرار نريد أن نكون خيرين.
إذا نحن بحاجة الى الوعي روحيا وماديا لنتمكن من اليات النهوض، نستثمر الذات الانسانية في الوجود فنتوسع داخل فلك الحضارة. وبذلك نتخلص من حتمية السقوط والانحدار الى حتمية النهوض في مسار الحياة العالمية.
هذا التحول يتزامن مع رؤية عقلية عالمية تمتلك بصرا حادا يغوص في الاعماق لينتشل سر كينونتنا الغامض ، خاصة ان الوعي حالة من الاستنفار العقلي والذهنية الثائرة التي تتجاوز الاعتبارات الظرفية إلى رحاب المسائل الكلية..
إن الوعي الحقيقي هو ذلك المرتكز على الشمولية والعمق التفسيري, إنه ذلك الذي يبحث عن النواميس والسنن الناظمة لهذا الكون, ويربط بين العلل ومعلولاتها.
نعم العقل الواعي القادح لزناد فكره لا يملك تجاهل دهشته ومناهضة حب الفضول المغري باقتحام المجاهيل ومقاومة التوق الجبلي نحو سبر أغوار الأشياء ، لكن ان لم يضبط ويقنن فمصيره إلى التيه والتخبط.
إنها دعوة للخروج بالعقل من ازمة اللاوعي، حين يكون العقل انتقائيا حين يكون عقلا للاحتلال، والبحث الدؤوب عن عقلنة التوسع من أجل السيطرة والأسواق، بل حين يتحور العقل إلى ملكة وأداة باعثة على التدمير والتخريب.
ولهذا فان علينا أن نسعى دائما إلى تفحص برامجنا وقراءة أحوالنا وإقامة علاقات نقدية مع ذواتنا ومع العالم. فطعم الحقيقة المطلقة أسعد وألذ من طعم الحيرة المعذبة مهما طرء على الحيرة من التمجيد.
لنقلب صفحات العالم ونقراها من جديد علنا ننتج في قاموس الحضارة. انبعاث ونهضة تحتضن الحياة وتجعل من الإنسان وعيا جديدا يحتمل سعة العالم اللاواعي اللامنتمي وثقله المطرد. لا بد من تحديد بعدنا الذاتي في ارض الواقع، وننسى أثرنا المعكوس تحت الوصاية سنين طويلة.
لنتذكر ان مصادر طاقتنا موجودة في منظومتنا الفكرية.
فنشهد عندئذ وعي وانسجام تام مع سائر مفردات الحياة.. لنتذكر اخيرا اننا امة واعية قادرة على النهوض رغما عن جميع ما يعتريها من عارض المحنة الحاضرة….
فلنتفكر بمداد العقل والايمان، بجدلية الوعي والانسان عندها سنتجاوز لجة البحر المظلم لنصل الى بر الامان.
وعبر ثنايا الزمن تتشكل ملامحنا بانتظام جميل يبقينا احسن مما كنا بانتظام متلاحق. وان اية حياة مهما كانت بسيطة ستكون جميلة وممتعة أن رويت بصدق.
فحين نرى الجمال نود ان نكون امم وجماعات وشعوب وحضارات وانساب وقبائل. فبعض المشاهد والانفعالات والأحاسيس تجعلنا نضيق بكوننا واحد، إذ لا بد من وجود آخر يقاسمنا مشهد الحياة ، يحمل عنا شيئا من فرح وسرور مباغت.
خاصة ان حياتنا مليئة بالمفاجات ، هي تجربة مفعمة بالمعاناة في مسيرة عبورنا نهر الزمان، الذي نقطعه ونحن نحمل اثقال وجودنا على اكتافنا الى ان نصل جزيرة الامل المفقودة في ابدية جميلة متصلة بكل معاني الوجود .
وكأن روح الحياة وجمالها قد اختزلت في حكمة تعطي الزهد اقصى معانيه. معاني تفجر لدينا الاحساس بالتفاؤل برغم التشرب البطيء للماساة التي نعانيها.
وفي رحلة البحث عن الذات نقطع المسافات فبيننا وبين السعادة صحاري مجهولة ، وهواجس لا تنتهي.
خاصة ان الوجود المشروط غياب ، ومساحة الصبر قليلة تنتهي بحرف وعلى حافة جرف، بعدها يعلن الوداع الى غياب بنكهة الحضور. ولا زلنا تلامذة في مدرسة الدنيا نتعلم أبجديات الحياة واسماء الواقع وجدول الضمير وكيمياء السعادة وفيزياء الوجود وفن الواقع وجمال الحقيقة.
إن انساننا يحتاج اليوم أمس الحاجة إلى خطاب روحي يوقظ فيه سبات الضمير، ويضخ النور في الإرادات الإيجابية البناءة .. نرغب دائما ببرمجة مسيرة المستقبل إلى إشغال مكان بين نجوم السماء قريبا من موقع الثريا ومشهد سحر الوجود الخلاق.
فلنتفكر بمداد العقل والايمان، بجدلية الوعي والانسان.